اليوم اود ان اخوض فى كلمات الاغنية السودانية وما تحتويه من معانى سامية وكبيرة ذات طابع رومانسي حزين كان ام سعيد. ولعل ما يجول فى الزهن اولا عمالقة شعراء الحقيبة امثال كرومة – على المساح – سرور – بشير عتيق – ودالرضي – البنا – اوصلاح – سيد عبدالعزيز – عبيد عبدالرحمن وغيرهم والذين سطرو اروع الكلمات والالحان ظلت خالده الى يومنا هذا ويرددها الكبار والصغار.
وتوالت الاجيال بعد الاجيال وتزامن ظهور شعراء اخرين بجانب عمالقة الحقيبة فنجد السر قدور والذى سطر اروع الكلمات والالحان وهو معروف صاحب صوت جميل اذا غنى ، ومحمد يوسف موسي ، حسين بازرعه – مصطفى سند – حسن الزبير – الحلنقى - ابوقطاطي – ابراهيم الرشيد – التجاني حاج موسي وغيرهم من الشعراء الى جيل الشباب الحالى.
فى السنوات الاخيرة اختلفت الكلمة وتغير اللحن ويرجع الكثيرين ذلك الى تغير نمط الحياة العامة ودخول ثقافات اخرى متنوعة ساعدت فى التغيير الكبير والذى طرأ على الاغنية السودانية ككل ، وظهرت مفردات جديدة ذات ايقاع صاخب راقص سريع يفضلونه فئة الشباب دون غيرهم وانتشرت مثل هذه الاغاني اذا صح التعبير واصبحت مطلوبه بصورة مستمرة ، وبعد ردود الفعل التى خلفتها بعض الاغنيات مثل اغنية (سنتر الخرطوم) والتى تغنى بها الفنان الشاب طه سليمان ، ها هو يعود هذه الايام باخرى جديدة حملت اسم (قنبله) والمعروف ان كلمة قنبله يطلقها بعض الشباب على المرأة الحسناء ذات الجمال الطاغى وهو تعبير شبابى شائع فى السودان ومعروف للجميع ، وعادة مثل هذه الاغاني لا يعرف شاعرها او لا يظهر وكثير من المؤديين لمثل هذه الاغانى لا يعرفون شاعرها او كاتبها مع ان كلماتها بسيطة ويمكن أي انسان ان يؤلف مثلها حتى وان لم يكن شاعراً محترفا.
دعونى الآن اقف فى حدود كلمات مثل هذه الاغاني ان صح التعبير وساقوم بمقارنتها مع مقاطع اغنيات سودانية خالدة فى الاذهان ليظهر حينها الفرق الكبير فى اللفظ والكلمة نفسها فمثلا اغنية قنبلة يقول مطلعها:
قنبله
دي قنبله سماحه الزول في الطول والعلا
دي قالو احتمال تنفجر .. قنبله
تقيف معاك والله ما بجر ..قنبله
ما بفيد الصد والهجر
والبتحصل انا بقبلا
قنبــــله..
هذا المطلع ذكرنى برائعة الحقيبة قائد الاسطول والتى يخيل لك ان كاتب كلمات قنبله قد جالت هذه المقاطع فى راسه قبل ان يكتب هذا المطلع ، فقائد الاسطول مثال للفتاة الفارعه الطويلة والتى كانت تسير مع مجموعة فتيات اخريات ولقوامها الطويل شبهها بقائد الاسطول وجاء مطلع الاغنية:
يا قائد الأسطول تخضع لك الفرسان
ياذو الفخار والطول أرحم بنى الإنسان
مين لسماك يطول ما يطولك اللمسان
معناك شرحه يطول والله يا إنسان..
وبالرجوع الى المقطع الثاني فى قنبله تعزل الكاتب فى العيون وشبهها بآلات حرب وجاء فيها:
العيون سلاح الموت.. قنبله
الخشيم دا كاتم صوت ..قنبله
بي الجو بي البرشوت
جيوشك علي انقلا
قنبــــله ..
هذا المقطع والحديث هنا عن العيون وكان الكاتب كان يستمع لاغنية محمد الامين عويناتك وبالذات المقطع الذى يقول فيه:
أقول ليها عويناتك
ترع لولي
بحار ياقوت
مناحات ريد حزاينيه
بغازل فيها مآساتي
وفي شرف العبورليها
بموت واكسر شراعاتي
آه عويناتك..
فى المقطع قبل الاخير كان كاسبقيه وجاء فيه:
السنون زي در وبلي ..قنبله
والخد مسدس سته مل ..قنبله
يا عيوني ما تملي
الشوف والعود والسنبله
قنبــله..
وذكرنى رائعة الموسيقار محمد وردى ومقطع من اغنيتة القمر بوبا والذى يقول فيه:
الصغيرون الما كبير
الرقيبة قزازة عصير
السنون براقن يشين
العيون متل الفناجين
مابتحش قشة تناقير
مابتشيل جردل على الزير
الزراب فوقا تقول حرير
شتتي شبار يامضمير
خلي قلوب الصبيان تطير
انتي ريحتك دمور فرير
ولا بت السودان اصيل
القمر بوبا عليك تقيل..
المقطع الاخير ايضا تشبيه بآلة حرب وتعزل مرة ثانية فى قوامها كذات البداية وجاء فيه:
الايدين كلاشنكوف..قنبله
والقوام يشهي الشوف..قنبله
الحنان المالي الجوف
مسح العزاب والبلى
قنبــــله..
وتذكرت حينها هذا المقطع من اغنية (امورة) لمحمد بشير عتيق والذى يقول فيه متغزلا فى مقاتن وقوام محبوبته:
حلوه حييّه خفرك صُونك
وفي مضمونك
حُسنك صاعد وجيلك دونك
وكيف ماعقلي يكون مجنونك
أنتي رشاقه
وإنتي أناقه
وروح الاّقه
أما عيونك
ناعِسْ حُوره وصاحي فِتُوره
فيها عذوبه
وفيها خطوره..
خلاصة الموضوع اود ان اقول ان الكلمة الجميلة الرصينة ذات الدلائل والمعنانى ستظل موجوده على مر السنين وستتناقلها الاجيال تلو الاجيال ، ومثل الاغانى الجديدة هذه ستزول تلقائيا بمرور ايام قلائل ، فأتمنى من الفنانين الشباب واعنى هنا بعضهم ان يلتفتو الى الاغانى التى ستذيد الى رصيدهم الغنائي وتدعمهم فى مسيرتهم الغنائية حتى يكون لهم رصيد جيد من الاغنيات تظل عالقة فى اذهان الناس على مر الزمان وان يتركون كل ما هو هابط ولا يذيد شى الى رصيدهم الفني.
موضوع: قنبلهـ طهـ سليمانـ 
الثلاثاء أغسطس 18, 2009 10:44 pm
